الأحد، 15 يوليو 2018

كتبت الكاتبة وفاء عرفه
قصه قصيرة 

"الأب الروحي"

وقفت أمام المرآة مشدوهة تحملق في مظهرها العام،
تحاول جاهدة أن تستجمع قواها محدقة بعينيها،
تطيل النظرة لتفسر ما تراه أمامها بوضوح، 
استوقفتها طويلاً ملابسها السوداء التي تعلن صارخة أنها في حالة حداد،
استحضرت اليوم منذ صباحه الباكر عندما استيقظت علي صوت أختها عبر الهاتف،
لتبث إليها أسوأ خبر تلقته فى حياتها، 
رغم توقع الأسرة جميعاً ورأي الأطباء وطول مدة الغيبوبة،
التي طالت لقرابة الشهرين، 
لكن الأمل كان يصاحب الجميع في الشفاء وقدرة الله علي كل شئ،
كان يوماً صعباً ثقيلاً وكأنه الدهر كله، وبدت لها ملامح وجهها جامدة،
 لا تعبير فيه إلإ الانكسارواليتم والضعف،
كاد عقلها يذهب منها وهي تتسأل كيف ينهار الجبل في لحظة؟
وكيف يمكن للسند أن يتلاشى هكذا في غمضة عين؟
وفي وسط كل هذا الذهول، مرت بخاطرها تفاصيل يومها الأصعب في حياتها.
جلست بتؤدة و مهل علي حافة فراشها، احتضنت إحدي وسائدها وذرفت الدموع بغزارة،
ولم لا وهي طوال اليوم تجتهد فى أن تتمالك نفسها لمراعاة من حولها،
وغاصت داخل أعماق روحها التائهة شاردة فى ملكوت بعيد من شدة ألم الفراق،
وفتحت بيدها باب الذكريات لتتوالي كالحقيقة أمام عينيها في لحظات.
رغم إنها ليست من صلبه لكنها إختارته أب لها، وبارك هو الإختيار ودعمه وفتح لها قلبه قبل بيته،
وأصبح الأب الروحي لها، انه 

"محمد الصباغ"

رجل الأعمال السكندري
الذي يتمتع بصفات قلما تجدها في إنسان،
قوي يحمل بين طيات عقله حكمة السنين وخبرتها، كم من مرة تذهب إليه في حيرة من أمرها،
رغم عقلها الراجح، ويمنحها جواب علي حيرتها، لتعود بحكمته قوية مثابرة، تطمئن بأن لها كتف تتكأ عليها، وساعدين يحتوياها إن مالت الدنيا عليها.
تتذكر وقفات ومواقف له، عندما عصفت بها أزمة هددت حياتها، وثق في قرارها وآمن بفكرها،
وكان خير عون لها، ولم يترك الحياة تقلبها بقسوة يساراً و يميناً ، إلي أن هدأت العاصفة،
وبعدها ظل يتابعها حتي إطمئن علي إستقرارها، 
لم تراه ضعيفاً قط، تتسأل الآن ؟
تري أين كنت تذهب يا أبي، وبأي واد كنت تلقي بهمومك وأحمالك التي كانت تثقل كاهليك ؟
لم تتخيل أبداً إنه يضعف ويحتاج سنداً بل كان جبلاً شامخاً، 
حتي إنها لم تفكر أبداً أنه سينهار يوماً.. أي سيرحل.. توليفة عجيبة كان أبى، 
شخصية تجمع الكثير في جوانبها، فيه رحمة بروح ناسك، 
وإيمان بقلب عابد، وقوة بعقل حكيم، رغم خضم مسئولياته كان يتابع عن كثب كل أحوالنا، 
وتجده دائماً في مقدمة العارفين بالأمور كلها،
كنا نحتار جميعاً،  كيف يشعر ويعلم بنا وبتفاصيلنا لهذا الحد ؟
كان حنون كريم معطاء للجميع، يسعد الجميع ويلبي رغباتهم، لا يدخر جهداً لمساعدة
من يحتاجه، كان أبي يشبه النهر في تدفقه وجريانه، يحمل في سريانه، مقومات الحياة
وعلي ضفافه تزدهر صروح النماء والعطاء والخير.
تعلمت الكثير منه في حياته، وتعلمت منه الأعمق في أخر أيامه، إن الحياة مهما طالت فهي زائلة،
ولا تستحق المشاحنات والصراع والضغينة، إنما هي السلام النفسي، والرضا بقدر الله والقناعة بما نملك،
وحب الناس والرحمة والمودة، والتواضع والعمل الصالح،
وما الإنسان إلا سيرة تعقب رحيله، هكذا أبي قدوة في الحياة وفي الرحيل.
غفت بمكانها لبضع دقائق وأفاقت، قائلة: رحماك يا ربي كنت أحادثه الآن !!
وقلت له أتعلم يا أبي أنا وحدي الذي أشعر أنني بعد رحيلك تغيرت، ولو حاولت تفسير ما يجري بداخلي للآخرين، لن يصدقوني ومع إفتراض أنهم تفهموا حالتي، فلن  يدركوا ما أشعر به علي وجه الدقة،
ولن تسعفني العبارات للشرح الوافي لهم.
ثم أغرورقت عينيها بالدموع وتنهدت بصوت عال، وجلست القرفصاء فوق فراشها، وأخفقت رأسها المثقل بصداع شديد، لن تحتمله، فقد كان يوم شديد القسوة.
وحادثت نفسها قائلة: يااااااا الله سأحاول أن أخلد إلي النوم ربما أفلح في ذلك، 
إن رحمني النوم وزار جفوني، بعد يوم عصيب لن تفارق ذكراه مخيلتي ما حييت مطلقاً.
واستلقت بجسدها المرهق، فيما يشبه وضع الجنين برحم أمه في حزن شديد، 
تردد تلك الكلمات، سلاماً عليك يا فارس الدنيا.. سلاماً يامن كانت تطيب بوجودك الحياة،
سأخبر الله عنك وعن فضائلك وكم كنت أب رائع بمعني الكلمة، 
وسأخبره أيضاً أنني ما عرفت معني الأبوة إلا معك، وكنت فخورة بك أمام الجميع، 
وكنت خير سند لي، و سأظل أذكرك بالخير والمحبة 
وأدعو لك إلى أن يقضي الله أمره.
وظلت تدعو له كثيراً وأغمضت عينيها علي قولها :

"اللهم أسكنه الفردوس الأعلى وجنات تجري من تحتها الأنهار مع الصالحين والصديقين" 
 الذكري الاولي
لابي الروحي
محمد الصباغ 
الفاتحه لاموتنا واموات المسلمين 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق