كتب / الناقد محمد كمال
ويحيي اللقاني
مدير ادارة العلاقات العامة بجريدة الطبعة الاولي
افتتح يوم الخميس 22 من ديسمبر 2016
أ. د. محمد سالم
معرض الفنانة
نيفين الرفاعي
بمركز محمود سعيد بالإسكندرية الذي ابهر الحاضرين بنعومة اناملها التي
تميزت بها في معرضها الجديد
أرض واحدة .. شيفرة الذات
خلق الله الدنيا على ركيزتين أساسيتين هما المادة بكل
صنوفها المرئية ، والروح غيرالمرئية ، لتدور العلاقة بينهما عبر الجدل السرمدي الدائر
بين الحسى والحدسي إلى يوم يبعثون ..
وربما كان للمبدعين نصيب كبير فى هذا المقام ،
ومنهم الفنانة
نيفين الرفاعي
فى تجربتها الثانية مع خامة الألوان المائية بعد استخدامها
سابقاً لتجسيد جمال الورد فى مواجهة القبح ،
واليوم تستخدم نفس الخامة الرقيقة فى تجربتها
الحالية
( أرض واحدة .. شيفرة الذات )
لتصطحبها
عبر رحلتها نحو المطلق فى إطار وصل الأرض بالسماء عند بقعة شديدة الألق بالقرب من مشارف
العرش ..
فى هذه التجربة التي شرفت بمتابعتها من ميلادها حتى شبابها تبدأ نيفين بالتفاعل
والانصهار مع المساحات العذراء من السطح التصويري الورقي كفضاء نوراني رحيب تسبح فيه
بروحها بعد أن تطيح بعقالها الذهني ، لتبدأ الطيران صوب الحجب والستور بصحبة تجريدياتها
العضوية التي تقترب بها من ملمس الأرض المتراوح فى سمته بين الترابي الناعم والطيني
اللزج ، ومابينهما من يبوسة وفراكة ،
وكلها درجات مادية تكتسى بالبنى المونوكرومي والأصفر
،
وأحياناً بالأخضر النباتي لطبيعة المقصد التعبيري ،
حتى تمزجها الفنانة جميعاً بالفيض
المنير السيّال كالغيث ؛
فتشف كتلة عن أخرى ، وتكشف شقفة عن مثيلتها ، وتطير المتعينات
المحسوسة الحبلى بالطيور نحو المواطىء المحدوسة المسيجة بالنور ، وكأنها أجنة تسكن
أرحاماً أثيرية قبل مخاضها الذى يتوافق مع مخاض روح الفنانة المندمجة مع حالتها الإبداعية
خلال مشوار الخلاص مؤقتاً من محبسها الجسدي الفاني ، قبل أن تقف خاشعة على أبواب الحجب
وحوائط الستور .. ثم تعود إلى اليقظة ثانية من نافذة العقل الذى يبدأ دوره فى ترتيب
الحصاد على المسطح التصويري الموحى للرائي بالتحليق والإنعتاق من سطوة الجاذبية الأرضية
،
فى طريقه نحو براح الجاذبية السماوية ..
وعند هذه البقعة على منحنى الأداء الإبداعي
عند نيفين الرفاعي تلتقى الشفافيتان الروحية والتصويرية بتأثير طبيعة الألوان المائية
والحالة التعبيرية معاً ؛
فيحدث الاختزال اللافت بين شهاديات الأرض وغيبيات السماء
عبر سير الفنانة نحو نقطة الصفر الإيحائي التي تظل تلاحقها فى جوف اللانهائي ..
ومع
زيادة الطاقة الروحية فى مواضع زمنية متقدمة فى التجربة تبدأ الكتل المتعينة عند نيفين
فى التفكك والإفتراق بتأثير التدفق النورانى الموازى الذى يقربها حثيثاً من وهج الضياء
المستتر خلف الحجب والستور المتشبعة ببهائه من أثر حضوره الطاغي ..
وتظل الكتل الحبلى
بالطيور تمارس السباحة والصعود إلى أعلى بقوة فى أحواض سماوية من النور ،
حتى تصل إلى
أقصى سرعة للطيران ؛ فتلتف حول بعضها فى أشكال عنقودية ودائرية بتأثير واضح من الحالة
الروحية للفنانة المتوافقة مع إرثها الوجداني والمعرفي ..
وهنا يتساوى بصرياً الثبات
مع الحركة من جراء السرعة الهائلة للكتل بعد فقدانها للجاذبية الأرضية ؛ حيث تتحول
حسياً إلى دوائر ومربعات ومستطيلات تتمايل بين سمت البعدين الثاني والثالث ،
مع ارتشاحات
وتشربات حوافها الموحية بالجمع
بين المادي والروحي عبر العلاقة المشار إليها بين
شفافيتي
الخامة والروح معاً ..
وعند أقصى بقعة للألق النورانى على منحنى الأداء التصويري المائي
تبدأ الأشكال الطائرة عند الفنانة فى الإنصهار التتابعي داخل كتلة واحدة تبدو للمتلقي
وكأنها ثابتة من فرط سرعة الدوران ،
قبل أن تبدأ فى التخلص من بعض جزيئاتها التي تسقط
من عل وكأنها نفحات تردها السماء للأرض ثانية ..
وربما هنا نستشعر فرحة
نيفين الرفاعي
بإدراك جوهر شيفرة الذات النقية التي دفعتها لاقتناص حريتها الروحية من أسر جسدها حتى
تستطيع التحليق والوصول إلى مشارف الحجب والستور .